أعدّها ورتب نصوصها نقلا وتأليفاً: رحال الخبر وائل الدغفق.
التغنّي بالنخلة :
تغنَّى العربي في ناقته وفي صَحرائه تغنَّى بنَخلِه ونَخِيله، تغنَّى بها طَلْعًا - وهو أوَّل التمر - وتغنّى بها بسراً - وهو ما اخضرَّ من التمر - ثم شدا بها رطبًا ثم تمرًا؛ وهنا يقول امرؤ القيس واصفًا شعر المرأة مثل قنو النخيل:
وَفَرْعٍ يَزِينُ المَتْنَ أَسْوَدَ فَاحِمٍ *** أَثِيثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ الْمُتَعَثْكِلِ
أمَّا زهير بن أبي سُلمَى فيقول:
وَهَلْ يُنْبِتُ الْخَطِّيَّ إِلاَّ وَشِيجُهُ *** وَتُغْرَسُ إِلاَّ فِي مَنَابِتِهَا النَّخْلُ
وقول أحمد شوقي أمير الشعراء:
أَهَذَا هُوَ النَّخْلُ مَلْكُ الرِّيَاضِ *** أَمِيرُ الحُقُولِ عَرُوسُ العِزَبْ
طَعَامُ الفَقِيرِ وَحَلْوَى الغَنِـــيِّ *** وَزَادُ الْمُسَافِرِ وَالْمُغتَرِبْ
النخلة الشجرة المباركة:
من الجدير ذكره أن النخيل قديم قدم العرب وقد عرَفَه الإنسان منذ حضارات موغلة بالتاريخ كالبابليين والسومريين ، بمعنى أن عمرها منذ خمسة الاف عام ، وكما ينقل أنَّ عمر شجرة النخيل يربو على مائة وخمسين عامًا، وأنَّ الجزيرة العربية والخليج العربي من مواطنها الأصلية.
فالنخلة شجرة التمر، وسيِّدة الشجر، والجمع نخْل ونخِيل، ويُقال: نخْلات، والنخل اسمٌ يُذكَّر ويؤنَّث فنقول: هو النخل، وهي النخل، أمَّا النخيل فمؤنثة.
فيها صفات الجمال والكبرياء عن مثيلاتها اشجار الجزيرة فهي ذات جذع يَتطاوَل باسقًا في السماء ؛ حيث يصفها الله تعالى بقوله : ﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ﴾ [ق: 10].
وكذلك سعف النخل يتشكَّل متدرجاً ليُظلِّل ماتحته بخضرة بهيجة بأرقِّ طُّيف، وظِلُّ للبشر وكل كائن تحت أفرعه وسعفه وجُذوعِه.
كما أن النخلة أمنٌ غذائي، مِعطاءة بكريم ماتنتجه، وهي مثل للكرم العربي حيث قال تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].
ولنتجه لمحور مقالنا وحديثنا الذي عنوناه بعنوان برّاق بقولنا :
طلع النخيل -اللقاح أو الكفري-وتسميته بالكافور...
فما هو هذا الطلع الذي شبّه بالكافور برائحته الشذيّة وفائدته الجليّة وأعماله العليّة وهو هدية ربّانيّة لتمور نثريّة عجوة وهلالية بآثار نبويّة من طيبة المدنية مدينة يثربية ونخيل هجرية من واحة إحسائية ...
طلع النخيل:
طلع النخيل انما هو عبارة عن مسحوق ابيض ناعم يتطاير سريعاً اذا ما تعرّض لنسمة هواء، كما أن رائحته تشبه بدرجة كبيرة رائحة ماء الرجل، ويُطلق عليه أيضا (لقاح النخل) ، وهو أول ما يبدو -يظهر- من طلع النخل الذكر والذي تُلقّح به النخلة، ويخرج الطلع في (مغلوف) أخضر، وفيه الحمل المنضود (اللقاح)، ويسمى هذا الغلاف بـ (الكفري) ويسمى ما بداخل الطَّلْعُ (الوليع) ما دام في وعائه، ومعنى الوليع هو (صف الحبوب داخل الطلع وكأَنَّها نَظْمُ اللؤلؤ وفي شدَّة بياضها) ، والواحدةُ منه يطلق عليه: (وَلِيعةٌ).
كما يسمى أيضا (الإِغْرِيضُ) وهو ما ينشقُّ عنه الطَّلعُ من الحبيبات البيض.والاغريض لشدة بياضه. وعُرفت فوائد طلع النخيل في التلقيح والإخصاب منذ القدم، وأشاد الأطباء بوظائفه النباتية وأكثر العرب من ذكره في شعرهم ونثرهم..
معلومات دقيقة عن طلع النخيل.
وقد نقلت بتصرف بعضاً من المعلومات الدقيقة عن الطلع وفوائدة الطبية حديثا وقديما من موقع العلاج للدكتور سليم الأغبري يفصّل فيه عن محتوياته الكيميائية وفوائدة الطبيّة في ما يلي:
فحبوب اللقاح :
أحد منتجات نحل العسل.والذي يعلق في شعيرات جسم النحل خلال زياراته المختلفة للأزهار، كما تقوم النحلة بحمله في أرجلها الخلفية في جيوب خاصة تسمى (سلة اللقاح)، ومن ثم تجمع النحلة ما علق في جسمها ومن تلك الجيوب وتأتي بها إلى الخلية
وأما لقاح النخيل:
فهو الطلع الذي هو عبارة عن أزهار تحوي على أعضاء التكاثر الذكري في النخل، أي اللقاح الموجود في الأزهار وهو اللميع كما أوردنا ذكره اعلاه.
وهنا نصل للكافوروصلته بالطلع:
فقد ذكر الله عز جلاله الكافور في الآيه : ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا )
فما هو هذا الكافور ولماذا ذكر الفعل كان ، وهل الكافور معروف لدينا الآن وأين يوجد ؟
كان السؤال موجه للباحث النباتي حميد الدوسري وقد عرفنا شيئاً لم نعرفه في هذا الطلع وتبيان فريد جزاه الله خيراً في ايضاحه لنا في مستدرج إجابته عن السؤال واسترسل قائلا:(بداية انا لا احبذ الخوض في تفسير القرآن الكريم الا بالقدر الظاهر الذي اعرفه ..
أولا : كان فعل ماضي ناقص .. ووجوده هنا وفي ايات كثيرات يعتبر زائدا في المعنى وليس في اللفظ .. بحيث أن المعنى يستقيم ولا يتأثر بحذفه وعلماء اللغة العربية يتحرجون من كلمة زائد ، فليس في القرآن الكريم زائد .. ولذا، يقولون عنها "صلة" مثل قوله تعالى (إنّه كان توابا) فهي صلة عاملة بدليل إن تواباً خبر كان وليس تواب ..
اما الكافور فهو شجر كبار عطري موطنه شرق آسيا وله صمغ عطري يباع خاما أو مصنعاً خام مثل الصمغ العربي والمصنع يكون ابيض مثل الملح واكثر استعماله في تحنيط الموتى .. حيث يوضع على الميت بعد التغسيل ورائحته قوية جدا تغطي ما قد يصدر عن الميت من عفن ..
كما يدخل الكافور في صناعة الادوية والعطور .وللمعلومية فالقرفة والكافور من فصيلة واحدة ..
والكافور كشجر غير موجود ولم اشاهده في المملكة ..لكن زيت الكافور وصموغ الكافور ومشتقاته تباع عند الحواجين ومحلات العطارة ).[2]
ويضيف باحثنا حميد الدوسري عن معلومة مهمة وهي قوله:
(أن صمغ الكافور يعمل كمثبط للشهوة الجنسية لدى الرجال عكس الفياجرى ..
وقد اصيب عدد من شيابنا الذين كانوا يعملون في الغوص بالعنّة الدائمة نتيجة تناولهم الكافور طواعية او بأمر ربان السفينة الذي يضعه مع الطعام .
فالناس في الغوص يقضون وقتهم شبه عراة وفي الليل ينامون صفاً متلاصقين لا يفصل بينهم إلا مسافة شبر أو أقل وخوفا من الفواحش يستعملون الكافور، كما يصابون بالعنة واحيانا بالعقم نتيجة كثرة تناوله).. [2]
ثم يسأل ابوعبدالله الخيال الباحث ابوعون الدوسري بقوله :
فيجيب الدوسري قائلاً:
فكثير من المواد التي يعرفها العرب ولكنها ليست من بيئتهم .
والظاهر لي والله اعلم ان الكافور مصدره شجرة الكافور وله مشتقات وزيوت حسب طريقة استخراجه فهناك شيء يستخرج من الورق وشيء من القشور وشيء من الخشب ، واشياء معالجة ومصنعة ، والذي يصل الى العرب ربما يكون الصمغ لانه اسهل في النقل والحفظ.)
ويكمل حديثة الشيق حميد الدوسري قائلا:
( يقول المفسرون أن أسماء الأشياء المذكورة في الجنّة والتي نعرفها ليست إلا لمجرد التقريب فقط وما في الجنّة أطيب بدون مقارنة ، فقد ذكر الله الطلح في الجنّة وقال فيه المفسرون أنه الموز بسبب أن في الطلح شوك لا ينبغي أن يكون في الجنّة .
لكن كبار المفسرين قالوا : إن الأمر مجرد تقريب وشجر الجنة قد لا يكون فيه شوك ولن يقارن بشجر الدنيا ..[2]
وصلنا الآن لمعنى الكافور بأنه من روائح الطلع:
ثم يستطرد باحثنا ابوعون الدوسري وكأنه عرف مايريده منه ابوعبدالله الخيال بقوله:
(الان عرفت ماذا تريد ابا عبدالله ، فالكافور الذي يوضع مع الماء والمشروبات هو كافور طلع النخل .
وهي القشور التي تغلف طلع النخل ولفحول النخل كافور طيب الرائحة يقطّر في معامل التقطير ويستخرج ماؤه العطري ويستعمل مع الشاي وغيره مثل ماء الورد ، وهو طيب متوفر بكثرة في الاحساء وشرق المملكة .
في معجم المحكم لابن سيده ان كافور النخل مشبه بالكافور لطيب رائحته.
والمستعمل هو كافور الفحل وهو العطري .. وكافور النخلة طيب لكنه اقل جودة .
ومتوفر في دولة البحرين وفي الاحساء والقطيف وربما الدمام .. والاجود البحريني يسمونه (ماء اللقاح) .
وسمعت انه في الاعوام الماضية بدأت محلات تقطير الورد في الطائف بتقطيره .. المشكلة ان وقته يتزامن مع وقت تقطير الورد.[2]
ويسأل الاستاذ محمد الخيال قوله: هل لماء اللقاح فوائد صحيه ؟ أو أنه ماده عطريه فقط.
فيجيب اباعون قائلا:
(مادة عطرية .. وهناك من يدعي انه منشط جنسي .. وهو كلام لا دليل عليه مجرد ان مصدره فحل
فبعض الأجسام تختلف عن بعض الأجسام الأخرى بالنسبه لإستجابتها للأدويه أو الأطعمة . فتجد جسم يستجيب وجسم آخر لايستجيب . وقد تنفع بعض ولا تنفع البعض الآخر . سبحان الله وهذه حقيقه يذكرها الأطباء
وهذا صحيح اذا اذا اعتبرنا الحالة النفسية والايحاء النفسي).[2]
ويسأل رحال الخبر وائل الدغفق بقوله :
(هل نفهم من حديثك أبا عون أن الكافور المدني يطلق على لقاح النخل أو أنه يطلق كأسم بسبب طيب الرائحة والطعم فقط ??
وايضا فهمت من حديثك انه يوجد كافورين…
الأول نبات هندي يستخرج من صمغه ويطحن ويستعمل لحنوط وغسيل المتوفى…
والثاني مدني قديم يستعمل كمنكه للشراب ومستطعم له. وهو يستخرج من لقاح النخل.
ارجو التأكيد على ماسبق أو الشرح لايضاح المعلومة مع الشكر).
فكان رد ابوعون الدوسري قوله:
ويكمل قوله: (الكافور في اللغة العربية يطلق على وعاء طلع النخل وعلى المادة العطرية المستوردة .. ويقال أن إطلاقه على أوعية النخل هو بسبب رائحتها الطيبة التي تشبه الكافور ، فالمعنى الاصلى هو للشجر والمعنى الثاني لطلع النخل ..
والذي في القرآن الكريم يحتمل انه النخل لانه الذي يمزج بالشراب .
فالمفسرون قالوا: (ان كافورا المذكورة في القران الكريم هو عين في الجنة )، فهم لم يذكروا اي نوع من النخل او الشجر).[2]
فيجيب ابو عون حميد الدوسري قوله:
(المادة العطرة هي العصارة المائية في كافور الفحل مادام طريا واذا جف تبخرت منه .. ما يلتصق بالكافور من القشور الناعمة ليس له قيمة وكافور النخلة الانثى طيب لكن لا يتسعمل للتقطير)[2].
ثم يسأل رحال الخبر وائل الدغفق بقوله :
(اتوقع كافور اللقاح هو الوعاء الأخضر الحاوي لحبوب لقاح النخل ويسمى (الكفري) فهو المنتج لتلك المادة العطرية (ماء اللقاح) وليست حبوب لقاح الطلع نفسه)..
فيجيب ابو عون حميد الدوسري قائلاً:
(نعم ، الرائحة العطرة من الكافور نفسه الذي هو الوعاء مادام رطبا طريا وليست من حبوب اللقاح .
والتقطير يتم بتقطع الكافور وغليه في وعاء التقطير، فهو من الغلاف وليس من الوليع) [2].
وهنا ننتهي من التفصيل الجميل والمحادثات التي نتجت عن فهم واضح للطلع وسبب تسميته كافوراً نتيجة رائحته الشذية ، وبعد نقاشات مثرية في مجموعة الرحّالة الرواد ، نقلها لكم الرحّال وائل الدغفق ورتبها في مجمل العنوان المعدّ بأسم
نسأل الله الفائدة للجميع وتبيان ماهو مفيد من حديث شيّق لأعضاء الرواد الذين لايبخلون بنقل كل ماهو مفيد للعموم هذا والله الموفق والهادي لسواء السبيل وتقبلوا تحياتي والى لقاء آخر من فوائد منتثرة هنا وهناك نجني بعضاً منها في نقلنا اياها اليكم بترتيب وتنسيق لانريد منه سوى دعائكم وفقنا الله وأياكم للخير أينما كان .
أخوكم وائل الدغفق رحال الخبر ذي الحجة 1439هـ .
_______________________________________________
[1]- نقلاً عن موقع العلاج al3laj.com.
[2]- نقلا من الباحث النباتي حميد الدوسري